تقارير صحفية

طوفان الأقصى يفضح سادية الاحتلال ضد المعتقلين في السجون

ورث الاحتلال الإسرائيلي المعتقلات وأساليب التعذيب التي تركها الانتداب البريطاني في فلسطين، دون الاكتفاء بذلك بل طورها لتكون أكثر إجراما لممارسة أبشع الانتهاكات ضد الأسرى الفلسطينيين.
وطوال فترة الاحتلال كانت تخرج من معتقلاته قصص وحكايات مروعة عاشها الأسرى داخل زنازين العزل الانفرادي، فمن

“يدخلها مفقود والخارج مولود”، خاصة بعد طوفان الأقصى الذي فضح سادية الاحتلال بممارساته المروعة ضد الأسرى تحت التعذيب، لاسيما بعد الكشف عن استخدام أساليب تتمثل بالاعتداءات الجنسية ونهش الكلاب لأجساد الأسرى وقتلهم تحت التعذيب.وما بين غزة والضفة اعتقل الاحتلال آلاف الشباب، ففي غزة اعتقلهم من مراكز الإيواء والمستشفيات أثناء الاجتياح البري والمرور من أمام البوابة الإلكترونية التي وضعها في شارع صلاح الدين شرق القطاع.

أما في الضفة فهو يلجأ إلى سياسة الاعتقال وقت التصعيد على غزة كونه الوسيلة الأسهل لزجّ أكبر عدد من الفلسطينيين المؤثرين داخل السجون، ومنعهم من ممارسة أي شكل من أشكال النضال.

كما رافق حملات الاعتقال المستمرة والمتصاعدة منذ بداية الحرب في الضفة والقدس، عمليات الإعدام الميداني، وإطلاق النار بشكل مباشر قبل الاعتقال، أو التهديد بذلك، بالإضافة إلى الضرب المبرح، وعمليات التحقيق الميداني التي طالت المئات، واستخدام الكلاب البوليسية.

وخلال حملات الاعتقال، يتعمد الجيش الإسرائيلي استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية ورهائن، عدا عن عمليات التخريب الواسعة التي طالت المنازل، ومصادرة مقتنيات وسيارات، وأموال، ومصاغ ذهب وأجهزة إلكترونية، إلى جانب هدم وتفجير منازل تعود لأسرى في السجون الإسرائيلية.

عبر تقرير يستعرض موقع “الرسالة نت” قصص تعرض لها الأسرى داخل معتقلهم، مع تسليط الضوء على الأساليب التي اتبعها الاحتلال لتعذيب أسرى غزة والضفة وكيف فصلهم عن بعضهم.

أشكال تعذيب أسرى غزة

لم يكتفِ جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصف المنازل على رؤوس أهالي قطاع غزة، والتسبب بقتلهم وتهجيرهم، فعندما قرر التوغل بريا نصب لهم فخا حين أقام ما يعرف بـ “الممرات آمنة”، للنزوح من الشمال إلى الجنوب بدعوى الحفاظ على أرواح المدنيين، لكن كانت هذه المسارات عبارة عن مصائد اعتقال وتعذيب لآلاف النازحين الهاربين من رصاصات ونيران الحرب.

وأنشأ الاحتلال الإسرائيلي سجنا مخصصا “سديه تيمان” الذي أطلق عليه اسم “غوانتنامو النقب” أسوة بالسجن الواقع جنوب شرق كوبا وتستعمله أمريكا لتعذيب من تصفهم بـ “الإرهابين” حد زعمها.
داخل سديه تيمان مارس الاحتلال أبشع الجرائم البشرية ضد شباب وشيوخ وأطفال قطاع غزة، حتى ارتقى نحو 45 شهيدا بسبب التعذيب.

يحكي الإعلامي سائد حسونة تجربته في الاعتقال أنه رفض النزوح وبقي في مدينة غزة، ويذكر أنه بعد الهدنة التي كانت في نوفمبر 2023 ، انتقل من شقته في حي اليرموك إلى عمارة سكنية بحي النصر، وبعد يوم من نزوحه تفاجأ بحصار المكان بشكل كامل من قبل قناصة الاحتلال.

ويقول “للرسالة نت”: بعد هذه الأيام العجاف حاصرت دبابات الاحتلال العمارة السكنية ثم تفاجأنا بتفجير باب العمارة والدخول للشقة بشكل عنيف من قبل وحدة خاصة يبدو عددها 15 جندياً؛ مدججين بالسلاح وصوبوا أسلحتهم نحونا حيث فصلوا النساء والأطفال على جهة، ومنعوهم من الحركة في جو من الرعب والخوف؛ وطلبوا من الرجال خلع جميع الملابس عدا ما يغطي العورة بعد استجداء من النساء بعدم فعل ذلك دون نتيجة”.

وراح يستذكر حسونة تفاصيل الاعتقال “كبلوا أيدينا خلف ظهورنا بشكل قاس؛ وطلبوا سحب جميع ما نملك من مقتنيات، وطلبوا من النساء والأطفال الذهاب للجنوب (..) وإذا لم يتم الانصياع للأوامر سيتم قصفنا بشكل مباشر من طائرات الاستطلاع، فاقتادونا نحن الرجال تحت الضرب، إلى عمارة سكنية اتخذوها مركزاً للاعتقال والتحقيق الميداني”.

وبعدها عصبوا أعينهم بشدة، وكان جنود الاحتلال يحرقون وجوه المعتقلين وأجسادهم بالسجائر والشتم بأفظع الشتائم، والركل بالأقدام وأعقاب الأسلحة على الرأس والظهر بشكل قاتل، وجروهم لأعلى العمارة، وسحبونا على البلاط البارد المليء بالزجاج المكسور، والقول للمحرر حسونة.

ويكمل حكايته:” طلبوا منا الجلوس على شكل U الوضعية الأكثر إجهادا في الجلوس حيث بعد وقت قصير فقدت السيطرة على أقدامي، وشعرت بثقل كبير في يدي؛ وخلال هذا الحال ضُرِبْت بشكل قاسٍ بسلاح M16 على ظهري ورأسي، وطلبوا مني شتم فلسطين وشعبها، ونردد (يعيش شعب إسرائيل).

وذكر أنه بعد ساعات جاء ضابط يجيد اللغة العربية ومعه حراسات اقتاده لمكان مظلم وفك العصبة عن عينه، ليجدَ نفسه يجلس في حمام على المرحاض وجندي يصوب سلاحه على رأسه، ويجلس أمامه ضابط؛ ففهمه أنني تحت التحقيق الميداني المباشر، وَجَّه لي أسئلة تفصيلية عن طبيعة عملي وتأثيره في الحرب وسبب تواجدي في المكان الذي اُعْتُقِلْت فيه وعن علاقتي بأي نشاط حول تأييد 7 أكتوبر وما هو موقفي منها، وعن أماكن النزوح التي لجأت إليها وعن سبب عدم توجهي لجنوب القطاع؛ وعن مسار تنقلي طيلة هذه الفترة؛ كان الضابط يضربني على وجهي بقوة، ويطلب مني الاستجابة، وفي جو مرعب لعدة ساعات، قال لي أن لدي ستة أولاد، ويجب أن أحافظ عليهم، وأنه إذا ثبت لديه أنني لي أي علاقة ب 7 أكتوبر سيقتلني في مكاني!.

وفي تجربة أخرى للشاب داوود أبو ريا – 23 عاما – والذي أفرج عنه من سجن “سديه تيمان”، يقول “للرسالة نت” وهو من شمال القطاع، إنه أصيب في يده بعد قصف منزلهم ما اضطره إلى اللجوء إلى منزل أحد أقاربهم خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ثم قررت عائلته النزوح مجددًا إلى الجنوب كما أمرهم الاحتلال، وعندما كان في طريقه في شارع صلاح الدين، أشار إليه جندي إسرائيلي من بعيد عبر أشعة الليزر المصوبة تجاهه ووجه إليه أمرا بالتقدم نحوه، ليتم تعصيب عينيه وتقييده برفقة العشرات الآخرين.

ويتابع:” تركونا حوالي ثلاث ساعات مكبلين “بالمرابط البلاستيكية”، وأعيننا معصوبة، وفي حال تحرك أحدنا أطلقوا الرصاص عشوائيا لترهيبنا، بعدها أمرنا بالجلوس أرضا، وإن سقط أحدنا أو حاول الاستلقاء من التعب ضربوه بالبساطير”.
ويضيف:” أثناء الاعتقال، سمعنا صوت رجل مسن يتم استجوابه تحت التعذيب وهو يردد “ما بعرف شي، كل أولادي ماتوا”، ثم أخبرهم أنه مريض قلب فانهالوا عليه بالضرب ثم اختفى صوته دون أن نعرف مصيره”.

بعد ساعات طويلة من الانتظار، اشتد الألم في يده جراء إصابته السابقة من القصف الذي استهدف منزل نزح اليه برفقة أسرته، فخشي أن يطلب مسكنا، خوفًا من الضرب المبرح أو الإهانات التي يمكن أن يتعرض لها.

ذكر عبد المنعم أنه بقي رهن الاعتقال والتعذيب مدة شهر، إلى أن جاء ضابط إسرائيلي وأخبره ومجموعة من المعتقلين “سيتم ترحيلهم إلى المحكمة العسكرية” ليفاجأوا بعد رفع العصبة عن أعينهم أنهم أمام معبر “كرم أبو سالم” الواقع بين غزة والأراضي المحتلة.

وعن “سديه تيمان” يقول عصمت منصور المختص في الشأن الإسرائيلي إن هذا النوع من السجون يرافق قوات الاحتلال حين تقرر إعداد حملات عسكرية حيث تفتح معسكرات أو أماكن معينة وتخصصها للمعتقلين لأسباب احترازية أو لمشاركتهم في القتال، بحسب ادعائها.

وبحسب مراقبته، فإن تلك المعتقلات تكون البنية التحتية فيها غير ملائمة للمعايير الإنسانية الأساسية، حيث يلقى الأسرى بشكل عشوائي، وعاملون بوحشية وإذلال ودون أي قوانين أو معايير حقوقية، إذ يخضعون لأوامر الضابط الإسرائيلي ومزاجيته، ولا رقابة أيضًا على تلك السجون سواء دولية أو داخلية حكومية إسرائيلية.

كما لفت منصور إلى أن السجون التي تنشأ في الحرب تكون أجواؤها عدائية، إذ تتحول إلى معسكرات شبيهة بأبو غريب وغوانتنامو، حيث القصص والشهادات التي تصل قليلة وتكون من أشخاص أفرج عنهم أو أطباء وموظفين إسرائيليين يتفاخرون بالقصص الوحشية.

أسرى الضفة والعقاب الجماعي والتجويع

وفق هيئة الأسرى ونادي الأسير الفلسطيني فقد بلغت “حصيلة الاعتقالات في الضفة منذ بدء معركة طوفان الأقصى من أكتوبر 2023، أكثر من 11 ألف حالة اعتقال”، بالإضافة إلى استشهاد أكثر من 660 فلسطينيا وإصابة نحو 5 آلاف.
في مايو/ أيار 2023 اُعتقل الباحث والناشط السياسي ياسر مناع من بيته، وتحول للاعتقال الإداري عدة مرات طوال فترة الحرب على غزة، حتى أُفرج عنه في أبريل/ نيسان 2024.

وصف مناع تجربته بالسجن وقت حرب غزة بالأقسى مقارنة بظروف اعتقاله السابقه، وذكر أنه علم بطوفان الأقصى حين خرج إلى ساحة القسم لممارسة الرياضة الصباحية، وهناك نادى عليه أحد الأسرى، وأبلغه أن مجموعة من الصواريخ تُطلق من قطاع غزة إلى مناطق أبعد من مستوطنات الغلاف.

يقول مناع لـ “الرسالة نت”: أخذت الأمر بداية على أنه من باب الدعابة، لم نصدق أن هذا حدث، ثم نادى أسير آخر بأن هناك كلمة للضيف بعد قليل، حينها ساد الاعتقاد بأن “حرب التحرير” قد انطلقت شراراتها”.

وقتها سحب الاحتلال أجهزة التلفاز، وتم تفتيش جميع الأقسام بحثا عن الهواتف النقالة، وذلك لقطع الأسرى عن العالم الخارجي، ومن ثم بدأت الانتهاكات تتزايد وتيرتها ضد الأسرى، حيث الحرمان من الطعام والإهانة والاعتداءات بالضرب.

أمّا بشأن كيفية تداول الأخبار بين الأسرى، ففي البداية كان ينادي بعضهم الآخر عبر النوافذ الخلفية للغرف لتبادل الأخبار، لكن بعد تعرضهم للضرب عدة مرات بسبب هذه الطريقة، اضطروا إلى تغيير أسلوبهم، وأصبحوا يكتبون الأخبار على أوراق صغيرة مهترئة، ويتبادلونها بين الغرف أثناء توزيع الطعام، والقول للمحرَّر مناع.وذكر أن إدارة السجون تعمل على بث الإشاعات بطريقة مقصودة، سواء أكان عبر المقابلات أم عن طريق المتعاونين معها، وذلك لتعزيز الشعور بعدم الاستقرار والضغط النفسي، وكان الكثير من الأخبار مزيفة مصدرها إدارة السجن، وهدفها إحباط الأسير.ومن المواقف الصعبة التي مرت عليه أخبر مناع أنه حين كان في سجن الرملة سأل أحد الأسرى الجنائيين عن آخر الأخبار، فقال له إنه تم الاتفاق على الصفقة، وإن الحرب قد انتهت، لكن تبين له أن المعلومة غير صحيحة، وفي كل يوم كان يأتي خبر جديد يناقض الخبر السابق، وبعد فترة أصيب وزملاؤه بإحباط شديد، معلقا: كنا نشعر وكأننا نعود إلى نقطة الصفر دون إبرام صفقة التبادل”.ولم يلتقِ مناع بأي أسير اُعتقل من قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر، رغم وصول العشرات منهم إلى سجون الاحتلال، لكن كانت لهم أقسام خاصة، عدا عن مواعيد الفورة المختلفة -الساحة التي يخرج إليها الأسرى لمدة ساعة يوميًا-.

ومن أساليب العقاب التي انتهجها الاحتلال ضد أسرى الضفة، هو “السادية والعقاب الجماعي والتجويع والإهمال الطبي، ومصادرة المكتسبات التي انتزعها الأسرى من إضراباتهم السابقة”.

كما تم سحب المعالق والملابس والأحذية والراديو والتلفاز والمصحف وسجادة الصلاة والمسبحة والكتب، ويوميًا هناك مرات غير معدودة للتفتيش بطريقة غير آدمية.

  • المصدر: الرسالة نت
Back to top button