ماذا جرى؟

بين النفق المظلم ونور الصبر: حكاية إيمان وثبات

 (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) “لقمان 34”

تلك الآية وحدها كانت كفيلة بأن تمدّني بالقوة لعبور النفق المظلم الذي حاولت الدنيا إجباري على السير فيه. مررت بتجارب قاسية، فتنتني الحياة وأغرقتني في أوجاعها، لكن بفضل الله وكلماته استطعت العبور. كان عبوراً صعباً، ولا زلت أتجرّع مرارة تلك الرحلة، لكنني عبرت.

عبرت رغم كيد العدو، رغم ظلم القريب وجحود النسيب، رغم نكران الجميل ووحشة الفقد. فقدت ابني مهدي وزوجتي آمنة، حبيبين كانا لي أنيسين في حياتي. كانت الحياة قاسية، لكنني صبرت، واستحضرت قول الله: “واصبر على ما أصابك، إن ذلك من عزم الأمور”.

تتردّد كلمات والدتي في ذهني كلما أثقلني الحزن: “أنت تتّق الله، والله سيوفقك”. كانت تلك الكلمات هي نبراس طريقي. أمي، التي رغم الألم، لم تبخل عليّ بحكمتها وحنانها، كانت سبباً في وقوفي مجدداً.

أما أبي، فقد كان مصدر القوة الآخر. لا أنسى كلماته لي:

ابني الحبيب، أول أبنائي وأول فرحتي. أحببتك وأنت صغير وكبرت في نظري وأنت كبير في صبرك وصمودك وإيمانك القوي بالله. تحمّلت ألم المرض وأنت صغير، والآن تتحمّل ألم الفقد والوجع بفراق آمنة ومهدي. أصبحت في نظري أسطورة وقدوة في التحمل والصبر. أعانك الله على الابتلاء، وإن شاء الله بصبرك يدخلك ربنا الفردوس الأعلى.

كلمات والدي تلك لم تكن مجرد عبارات، بل كانت شهادة حبّ ودعاء امتدّ لي بالثبات والقوة.

نعم، فقدت الكثير، لكنني ربحت نفسي. عبرت المحنة، وخرجت منها أكثر إيماناً بالله، وأكثر ارتباطاً بتلك القيم التي زرعها والديّ في قلبي. أدركت أن الله لا يخذل الصابرين، وأن مع العسر يسراً، وأن في الابتلاء حكمة لا يدركها إلا من صبر واحتسب.

ختاماً، أقول لكل من يمرّ بمحنة: اصبروا، تذكّروا كلمات الله ووعوده، وتسلّحوا بحبّ أهلكم ودعواتهم. فالحياة مهما كانت قاسية، تبقى لحظات الابتلاء فيها طريقاً للارتقاء، ومهما اشتدّ الظلام، فهناك نور ينتظركم في نهايته.

 

  • هذا النص يمثل جزءًا من مذكرات الصحفي سائد حسونة، ويُعد توثيقًا شخصيًا لأحداث الحرب على غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023.

زر الذهاب إلى الأعلى
Skip to content