في قلب أزمة المجاعة: دروس في العطاء والصمود
مع اشتداد المجاعة التي ضربت شمال غزة في يناير الماضي، ازدادت المعاناة بشكل غير مسبوق، خاصة مع حلول شهر رمضان المبارك. كان الجوع لا يرحم، والأسعار ترتفع إلى مستويات خيالية. كيلو الطحين، الذي يُعتبر من أساسيات المائدة، وصل سعره إلى 20 دولارًا، مما أجبر الكثيرين على اللجوء إلى خلط الطحين بالشعير والذرة لمواجهة الجوع.
رغم قسوة الظروف، إلا أن العطاء لم يتوقف. كثيرون قرروا أن يكونوا مصدر أمل لمن حولهم، يقسمون القليل الذي يملكونه مع الجيران والمحتاجين. من بينهم رجل قرر أن يكون باب بيته مفتوحًا للجميع. كان يقسم كل ما لديه من طحين، مهما كان قليلاً، بينه وبين المحتاجين. “لم أكن أستطيع أن أقول لا لأي شخص يطلب المساعدة، وكان هدفي ألا يخرج أحد من بيتي ويداه فارغتان”، يقول الرجل.
لم يكن هذا العطاء لطلب المديح أو الثناء، بل كان نابعًا من قناعة راسخة بأن الله يبارك في العطاء. يحكي الرجل عن يوم لم يكن يملك فيه سوى قطعة جبنة وكمية قليلة من الأرز. عندما سأله صديق عن حاله، أجاب: “هذا فطوري.” بعد ساعات قليلة، تلقى مكالمة من نفس الصديق الذي أحضر له سبعة كيلوغرامات من الطحين. ورغم حاجته الشديدة، قسم الطحين مع المحتاجين مرة أخرى. بعد أيام، وصله طحين من عائلته، وكأن الله يكافئه على كرمه.
هذه القصة ليست استثناءً، بل درس في العطاء والصمود. في مجتمع يعاني من القلة، يظهر معنى التكافل الحقيقي. العطاء، حتى من القليل، لا ينقص الرزق، بل يزيده. “إذا كان لديك رغيفان، أعطِ أحدهما لمن يحتاج. إذا كنت تملك كيلو طحين، قسّمه مع جارك المحتاج”، هي رسالة يرددها الرجل، إيمانًا بأن الخير يعود أضعافًا.
العطاء لا يقتصر على الطعام، بل هو فلسفة حياة تفتح أبواب البركة والرحمة. في ظل الأزمات، يظهر معدن الناس الحقيقي. إن أفعالًا بسيطة كإعطاء رغيف خبز أو تقاسم كيلو طحين يمكن أن تكون سببًا في إنقاذ عائلة من الجوع، وربما في خلق مجتمع أكثر تضامنًا ورحمة.
كما يقول الله في كتابه الكريم: “لئن شكرتم لأزيدنكم”. الشكر هنا لا يكون بالكلمات فقط، بل بالأفعال التي تنشر الخير بين الناس. لنكن جميعًا شركاء في العطاء، فربما تكون صدقتك اليوم هي المفتاح لرزقٍ وخيرٍ قادمٍ إليك غدًا.
- هذا النص يمثل جزءًا من مذكرات الصحفي سائد حسونة، ويُعد توثيقًا شخصيًا لأحداث الحرب على غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023.
إقرأ/ ي، أيضًا: