ماذا جرى؟

حكاية الشمال: ذاكرة الألم والصمود في حرب غزة 2023

في السابع من أكتوبر عام 2023، اندلعت الحرب على غزة، لتعيد تشكيل حياة سكانها بين ليلة وضحاها. كصحفي فلسطيني عاش تفاصيل هذا العدوان، لم تكن الكاميرا وحدها وسيلتي لرصد الواقع، بل أصبحت ذاكرتي سجلًا حيًا لحكايات الألم والصمود. اليوم أروي قصة الشمال، المكان الذي لم يكن مجرد حي أو مدينة، بل وطنًا صغيرًا في قلبي، مليئًا بالأرواح التي أحببتها.

الذي أُبعِدت عنه قسرًا لم يكن مجرد مكان. كان البيت الذي احتضن ضحكات أمنة، زوجتي، وضجيج مهدي، طفلي. الأماكن في غزة ليست مجرد جدران أو حجارة؛ هي مساحات من الذكريات التي تعج بأسماء وأصوات وأحلام. كل زاوية فيها كانت شاهدة على لحظاتنا الصغيرة والكبيرة، على الحلم البسيط بأن نعيش حياة عادية في وطنٍ يُصرّ العالم على أن يسرق منا حتى هذا الحق.

العودة إلى الشمال بعد الحرب لم تكن مجرد رجوع إلى بيت.

إنها مواجهة حادة لفراغ غياب أمنة ومهدي، اللذين كانا نبض المكان وروحه. حين وقفت أمام الأنقاض، شعرت بثقل الغياب، وكأن الركام ينطق بحكايات الفقد. كيف يمكن لمكان أن يبدو مكتظًا بكل هذا الصمت؟ وكيف يمكن لذكرياتنا أن تصرخ بهذا الوجع ولا يسمعها أحد؟

خلال تلك الأيام، كانت غزة تعيش على إيقاع الموت والحياة. القصف لم يكن يستهدف الأبنية فحسب، بل كان يلاحق معاني الحياة التي نحاول جاهدين الحفاظ عليها. في كل ليلة، كنا ننام على صوت الانفجارات، وفي كل صباح نستيقظ على صور الخراب وأسماء الشهداء. ومع كل فقد، كنت أكتشف أن الحب ليس فقط ما يجعلنا نعيش، بل هو أيضًا ما يجعلنا نتألم بهذا العمق.

لكن وسط هذا السواد، لم تكن الحكاية كلها عن الموت. كان هناك أيضًا الصمود. في عيون الجيران الذين فقدوا منازلهم، وفي وجوه الأطفال الذين كانوا يلعبون وسط الركام، وفي قصص الإنقاذ والتضامن التي كانت تُروى في الملاجئ. غزة لا تعرف الاستسلام. حتى في أكثر اللحظات وجعًا، كنا نجد طريقنا للابتسام، لأننا نعرف أن البقاء هنا هو أبلغ أشكال المقاومة.

اليوم، وأنا أكتب هذه الكلمات، أدرك أن توثيق هذه التجربة ليس مجرد استذكار لأحداث مضت، بل هو شهادة حية على أن غزة كانت ولا تزال تنبض بالحياة رغم كل شيء. قصتي هي قصة الكثيرين هنا. قصة وطن يُصرّ على الحياة رغم الحصار، وقصة شعب يعرف أن الحلم بالحرية هو أعظم إرث يمكن أن نتركه لأطفالنا.

  • هذا النص يمثل جزءًا من مذكرات الصحفي سائد حسونة، ويُعد توثيقًا شخصيًا لأحداث الحرب على غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023.

زر الذهاب إلى الأعلى
Skip to content