ماذا جرى؟

رحيلٌ بلا وداع.. حكايات الفراق في غزة بعد النزوح

مع دخول وقف إطلاق النار يومه السّابع، يستعدّ النازحون وسط وجنوب قطاع غزة، للعودة للشمال الذي غادروه مع بدء الحرب. وبينما كان سائد يتوق للقاء زوجته وأطفاله السّتة الذين تركهم خلفه بعد أن أجبره الاحتلال على النزوح للجنوب، يجد نفسه اليوم منتظرً اللحظة التي تمنحه إمكانية الوقوف أمام قبر زوجته، والتحدّث لها ووداعها بالصورة التي تستحق.

يروي النازحون قصصهم عن الفراق والشهادة تحت الاحتلال، أحباب رحلوا بلا وداع، وشهداء نزوح فقدوا حياتهم بعيدًا عن أعين أحبائهم.. يستعد النازحون للعودة، وأوّل ما يفكرون به: زيارة قبور أحبائهم -إن وجدت-

بينما كان سائد حسونة مستلقيًا في نزوحه برفح جنوب قطاع غزة، تلقّى صاعقةً على هيئة خبر؛ أبلغه أحد جيرانه باستشهاد زوجته آمنة ونجله البكر مهدي في قصف إسرائيليّ استهدف منزلهم في الشمال، إثر فراق دام أكثر من 40 يومًا، تشتتت خلاله أوصال أسرته، بعد أن اعتقله الاحتلال، وأجبره على الذهاب للجنوب.

سائد حسونه | رحيلٌ بلا وداع.. حكايات الفراق في غزة بعد النزوح
سائد حسونة وزوجته وأطفاله في صورة أرشيفية. خلال الحرب استشهدت الزوجة آمنة، وابنها البكر مهدي

“شعرت بعجز خانق وكأنّ العالم انهار فوق رأسي، خاصة أنني لن أستطيع وداعهم بحكم الحواجز الفاصلة بين شمال القطاع وجنوبه”، بهذه الكلمات عبّر سائد عن شعوره لحظة استقباله لنبأ استشهاد زوجته وابنه بعيدًا عن ناظريه، متمنيًا لو كان بإمكانه وداعهم في لحظاتهم الأخيرة.

بدأت حكاية عائلة حسونة في آذار/ مارس 2024، عقب اعتقال قوات الاحتلال لسائد إثر اقتحام مجمع الشفاء الطبي بينما كان يمارس عمله في المجال الإعلامي. وبعد الإفراج عنه، أبعدته قوات الاحتلال إلى جنوب القطاع، بينما كانت عائلته تقاسي في مدينة غزة، وحالت بينه وبينها كلُّ سبل اللقاء.

فراقٌ للأبد

“لم أصدِّق بأنني لن أرى زوجتي وابني مرة أخرى ولن أتمكن من توديعهم”، يقول سائد الذي يحسّ بفراغ كبير هذه الأيّام، ومسؤوليّة مضاعفة، ويؤكّد عمق الأثر النفسي وصعوبة الصدمة وثقل المسؤولية التي خلّفها غياب زوجته آمنة.

سائد حسونة: شعرت بعجز خانق وكأنّ العالم انهار فوق رأسي، خاصة أنني لن أستطيع وداعهم بحكم الحواجز الفاصلة بين شمال القطاع وجنوبه

استُشهدت آمنة وابنها بعد قصف إسرائيليّ استهدف منزلًا لعائلتها في مدينة غزة، لجأوا إليه بعد مراتٍ من النزوح. في تلك الغارة أيضًا أصيب طفليها، وظلّ الأبناء بعد ذلك يكابدون الأزمات المتوالية شمال القطاع وحدهم؛ بلا أمّ أو أب.

سائد حسونه | رحيلٌ بلا وداع.. حكايات الفراق في غزة بعد النزوح
سائد حسونة وزوجته آمنة التي رحلت دون وداع، وظلّ بعيدًا عنها بعد أن أبعده الاحتلال إلى الجنوب

بعد رحيلها، ظلّت المخاوف تتقافز في خيال سائد، فباله منشغل من جهة على أبنائه الذين صاروا فجأة بلا أب ولا أمّ في حرب إبادة، ومن جهة أخرى ظلّ يفكّر بزوجته، وتؤرّقه فكرة انتهاك الاحتلال لحرمة الأموات. يقول إنّه ظلّ يتخيّل مكان قبرها بقلق كبير، وكان يتساءل: هل سترقد بسلام في هذه الفوضى التي خلقها الاحتلال؟ ولم يهدأ باله حتى تأكّد من دفنها في مقبرة رسمية بشارع صلاح الدين.

سائد حسونه | رحيلٌ بلا وداع.. حكايات الفراق في غزة بعد النزوح
صورة ضريح الشهيدة آمنة، التي قضت شمال القطاع دون أن يودعها زوجها سائد حسونة النازح جنوبًا

 

بواسطة
رانية عطا الله
المصدر
موقع ألترا فلسطين
زر الذهاب إلى الأعلى
Skip to content