الإذاعة: الصوت الذي لا يموت في اليوم العالمي للإذاعة

في مقابلة إذاعية خاصة بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة على إذاعة البشائر من لبنان، يتناول الصحفي سائد حسونة الدور الثقافي والإنساني للإذاعة في العالم المعاصر. الإذاعة التي تعد من أقدم وسائل الإعلام، لم تكن يومًا مجرد ناقلة للأخبار، بل كانت جسرًا للتواصل الإنساني ومنبرًا لصناعة الرأي العام والوعي والتثقيف. لعبت الإذاعة دورًا كبيرًا في تشكيل عقول الأجيال السابقة، وساهمت بشكل كبير في صناعة جيل واعٍ وملم بكافة المعلومات والإنجازات والتحديات.
اليوم، ونحن نحتفل باليوم العالمي للإذاعة، نضيء على هذه الوسيلة التي مرت بمراحل تاريخية محورية وشهدت تحولات جذرية في بنيتها ومحتواها. صحيح أن الإذاعة لم تعد تعيش عصرها الذهبي كما في السابق، بفعل التغيرات التكنولوجية التي بدلت الكثير من التصنيفات والبناء الإعلامي، إلا أنها ما زالت صامدة، تواكب قدر المستطاع التطورات وتحاول التكيف مع الواقع المتغير. ورغم أن البودكاست يُعتبر منافسًا شرسًا للإذاعة، إلا أنه يختلف عنها في نواحٍ عديدة ولم يتمكن حتى اليوم من الإطاحة بها، ما يذكّرنا بالصراع المستمر بين الكتاب الرقمي والورقي.
في السياق الفلسطيني، حيث تُعاني غزة من الاحتلال، يبرز دور الإذاعات بشكل خاص في تقديم منحى إنساني يعكس قضايا الوطن والشعب الفلسطيني، حيث تُسهم الإذاعات في رفع الصوت عالياً، وعدم التغاضي عن قضايا الشعوب. فالإذاعة ليست مجرد وسيلة إعلامية، بل كانت وما زالت منصة حيوية لدعم الثقافة الإنسانية في مختلف القضايا حول العالم. منذ البداية، كانت الإذاعة وسيلة لنقل الصوت الثقافي والفني، وجسرًا للتعليم والمشاركة المجتمعية.
وعلى الرغم من استهداف الإذاعات الفلسطينية في غزة خلال الحروب، إلا أن الصوت الفلسطيني ما زال يرتفع عبر المنابر الإعلامية الأخرى. وإذاعة صوت القدس في غزة على سبيل المثال كانت ولا تزال تلعب دورًا مهمًا في رفع المعاناة والتعبير عن هموم الشعب الفلسطيني في محنتهم اليومية.
وعن دور الإذاعة في نشر القيم الثقافية، يمكن القول إن الإذاعة تساهم بشكل كبير في تعزيز القيم الثقافية عبر برامجها التي تُعنى بالتراث والفنون المحلية والعالمية. ومع ظهور الإذاعة الإلكترونية والبودكاست، أصبح بالإمكان الوصول إلى جمهور أوسع وأكثر تنوعًا، ما يتيح للإذاعة الاستمرار في أداء رسالتها الإعلامية والثقافية بشكل فعال.
ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، نجد أن التفاعل المباشر مع الجمهور أصبح عنصرًا أساسيًا في صناعة المحتوى الإعلامي. فقد تمكّن الجمهور اليوم من التفاعل بسهولة من خلال الرسائل والتعليقات، مما يجعل الإذاعة أكثر تفاعلًا ومرونة، بدلاً من أن تكون في منافسة مع وسائل الإعلام الحديثة. بل إن الإذاعة يمكنها أن تتكامل مع هذه الوسائل، لتظل محافظة على قدرتها على الوصول إلى المجتمعات المحرومة من الإنترنت، وخصوصًا في أوقات الحروب والكوارث.
كما تم الاحتفال هذا العام بشعار “الإذاعة والمناخ”، وهو موضوع يطرح تحديات بيئية وإنسانية على مستوى عالمي. فالتغيرات المناخية والأزمات العالمية مثل الحروب، والتأثيرات البيئية الناتجة عن الصواريخ والقنابل، تستدعي أن يكون للإذاعة دور كبير في تسليط الضوء على هذه القضايا، خاصة في المجتمعات التي تعاني من الأزمات المستمرة مثل فلسطين.
وفي الختام، تظل الإذاعة، سواء كانت تقليدية أو رقمية، وسيلة هامة للتواصل، ومرآة تعكس القيم الإنسانية والثقافية التي نتمسك بها. إنها أداة أساسية لنقل المعرفة وبناء المجتمع، وستظل تحتفظ بمكانتها، مهما تغيرت وسائل الإعلام.
الإذاعة ليست مجرد وسيلة إعلامية، بل هي صوت للمجتمع، ومنبر يعبر عن القيم الإنسانية، حتى في أصعب الظروف.
سائد حسونة، صحفي متخصص في الإعلام الرقمي