بقايا

نهاية الحرب وبداية الحزن: رحيل مهدي الذي لم أودّعه

في صمت ما بعد الحرب، حين هدأت المدافع وأعلن العالم عن وقف إطلاق النار، عاد صوت قلبي ليهتف باسمك، يا مهدي. كنت أكبر أحلامي، وأثمن أوقاتي، وها أنت رحلت عني، ولم أستطع أن ألمسك، أو أضعك في حضن التراب الذي كنت أودّعك فيه.

كنت تقول لي دومًا: “مشتاق لك يا أبي”، والآن، بعد أن غبت، صارت كلمتك الأخيرة صدى يرن في قلبي بلا توقف، يجرحني برفق، يعلمني الصبر في وجه ألم لا يطاق. الجرح عميق، أعمق مما يتصور أي قلب، لكنه أيضًا رسالة، رسالة عن الحب الذي لا ينتهي، وعن الثبات الذي يفرضه الاحتساب.

أشعر بمزيج من الحزن والفرح، حزن لفقدك، وفرح لأن روحك صافية الآن، بعيدة عن الخراب والظلم، في مكان أقدس، بلا دموع، بلا خوف. ولكن قلبي يبكيك، ويدي تبحث عن يدك الصغيرة، وقلبي يتشبث بالذكريات.

مهدي، يا نجمي الذي أطفأه الموت، سأظل أذكرك بكل لحظة، سأصبر، سأحتسب، وسأروي قصتك لكل من يعرف معنى الحب الأبوي العميق، لأعلمهم أن الفقدان لا ينتهي، لكنه يصنع فينا صبرًا لم نعرفه من قبل، وإيمانًا بأن لقاءنا في الأبدية لا يضيع.

رحلت عني، لكنك حي في كل نبضة قلب، في كل دعاء، في كل دمعة أذرفها بين الحزن والرضا. وها أنا هنا، أبيك، محتسبًا، صابرًا، محملًا بكل ما تركته لي من حبٍ لا يُقاس.

زر الذهاب إلى الأعلى