تقارير صحفية

تصويب أنظار العالم نحو القدس رقميًا

عادة حين تقع الأحداث في مدينة القدس المحتلة، تحظى باهتمام كبير من المتابعة على المستوى العربي والدولي، وبمجرد انتهاء الحدث الذي يبث عبر وسائل الإعلام التقليدية أو منصات التواصل الاجتماعي، سرعان ما يتراجع التعاطف لتصوب البوصلة تجاه واقعة أخرى ومكان مختلف.

اليوم بات الأمر مختلفًا، فما وقع في الأسابيع الأخيرة من أحداث في حي الشيخ جراح ومحاولة تهجير بعض العائلات، وما يدور في باحات المسجد الأقصى، لفت الأنظار على المستوى الدولي بشكل كبير حيث أظهر الكثير من مشاهير الرياضة والفن والسياسة تضامنهم مع ما يجري على الأرض، عبر تغريدات وصور تعبّر عن مساندتهم للمقدسيين.

وهناك أسباب كثيرة ميزت المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي هذه المرة، حيث كانت الصور والفيديوهات التي شاركها أهالي القدس المحتلة والشيخ جراح ومن جاء للتضامن معهم تعكس الواقع والتظاهر السلمي، فكل كان يعرض حكايته التي لامست قلوب المتابعين وعايشوها لحظة بلحظة، رغم محاربة محتواهم وإغلاق صفحاتهم من بعض المواقع الرقمية مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام.

ولا بد من الإشارة إلى وجود جمعيات إسرائيلية متخصصة لديها باحثون يتابعون كل صغيرة وكبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، ويطالبون بشكل مستمر إدارات تلك المنصات فرض قيود صارمة على المحتوى الفلسطيني، لا سيما الذي يفضح جرائم الاحتلال.

وتستجيب تلك المنصات التي تقدم الخدمات الرقمية كونها تميل إلى الطرف الأقوى لما يحقق لها من مصالح ربحية بالدرجة الأولى، حيث تتم ملاحقة المحتوى الفلسطيني إما بحذف المنشورات، وإما إغلاق حسابات لفترة محددة، وإما إغلاقها نهائيًّا بذريعة مخالفتها لمعايير النشر في تلك المنصات.

بث مباشر ومعايشة الحدث

كانت المشاركة الرقمية في هبة القدس الأخيرة مميزة، كون الكثير من الفيديوهات التي تم تداولها عبر منصات التواصل الاجتماعي كشفت زيف رواية الاحتلال، كتعدّيه على المصلين في المسجد الأقصى تارة وفي الشيخ جراح تارة أخرى.

بداية المشاركة الرقمية كانت حين استفزت الأحداث من يعيش خارج المدينة المقدسة، فعملوا على تحديد موقعهم عبر فيسبوك أنهم في الشيخ جراح، ليؤكدوا أنهم هناك بقلوبهم وإيمانهم بقضية السكان بعدم تهجيرهم.

تواصلت “نون بوست” مع الشاب كرم خلف، وهو أحد المؤثرين عبر منصة إنستغرام، وينقل الأحداث بواقعيتها في حي الشيخ جراح، فهو يوميًّا يقطع ساعة ونصف في السيارة حين يأتي من قريته جيت في الداخل المحتل للتضامن مع سكان الحي المهددين بالرحيل.

ما يميز المحتوى الذي يقدمه خلف أنه ينقل معايشته لتلك العائلات، ويحاول ترجمة ما يحدث باللغة الإنجليزية حين يلتقط الصور والفيديوهات، يقول: “أحاول مشاركة المتابعين تجربتي ونشر صورة الشباب أثناء المواجهات وكيفية الاعتداء عليهم وهم يرددون الأغاني الوطنية، أو يحضّرون طعام الإفطار لمشاركة أهالي الحي”.

عما يميز التفاعل الرقمي مع أحداث القدس المحتلة، يرى خلف أن القصص أصبحت تنقل ببث مباشر من قبل السكان أو المتضامين معهم، فباتت التغطية معايشة بخلاف ما كانت سابقًا إعلامية فقط.

ويضيف: “أجتهد في تسليط الضوء على استفزاز جنود الاحتلال الإسرائيلي للشباب وإيذائهم، حيث أبث محتوى لم يكن واضحًا في الحسابات الأخرى التي تركز على الاشتباكات فقط”.

ويؤكد خلف أنه يحاول صناعة محتوى مختلف ليصل إلى المتضامنين في الخارج، كوحشية الاحتلال مع المتظاهرين السلميين، حيث يعكس أيضًا تجربته في تلك الفيديوهات المنشورة ليكون المشهد أكثر واقعية.

وبحسب قوله فإنها المرة الأولى التي يرى فيها حجمًا كبيرًا من التفاعل مع المحتوى الذي يقدمه، خاصة على المستوى العربي والأجنبي، حيث المشاهدات بالآلاف ومشاركة قصته عبر إنستغرام كبيرة، عدا عن إعادة تغريد ما ينشره عبر تويتر والتعليق عليه.

وعما يميز التفاعل الرقمي مع أحداث القدس المحتلة، يرى خلف أن القصص أصبحت تنقل ببث مباشر من قبل السكان أو المتضامين معهم، فباتت التغطية معايشة بخلاف ما كانت سابقًا إعلامية فقط.

وأشار إلى أن بداية اختياره لتسليط الضوء على زاوية مختلفة، كانت مشاركته عائلة الكرد المهددة بالترحيل أكلة المقلوبة فحدث استفزاز من قبل المستوطنين لهم، حينها اجتهد في نقل الحياة اليومية التي يمارسها أهالي الشيخ جراح التي يرغب العالم المتضامن في الخارج الاطلاع عليها.

الشاب كرم وغيره العشرات من المؤثرين الذين يعايشون تلك الأحداث، ساهموا في لفت الكثير من المشاهير إلى قضيتهم، لكن كان هناك مؤثرين عرب وفلسطينيين في الخارج سلطوا الضوء على الأحداث بطريقة جعلت رواد التواصل الاجتماعي يعايشون الأحداث أكثر.

تقوم الشابتان منى حوا وآلاء حمدان وغيرهما من المؤثرين ببث مباشر بشكل يومي، يشاركون من خلاله أشخاصًا يعيشون في الشيخ جراح أو محيط المسجد الأقصى، مع شخصيات عالمية مؤثرة سواء في عالم الرياضة أو الفن أو حتى لديهم متابعين بالملايين حيث ينقلون الحدث مباشرة ويتم التعليق عليه.

وقبل أيام من مشاركة منى حوا البث المباشر مع الناشط صالح الزغاري الذي كان يتحدث من باحات المسجد الأقصى وتمت إصابته، حيث أكد هذا المشهد أن الاحتلال لا يكترث لما يستهدفه، فالشاب كان آمنًا لا يشتبك مع الجنود.

تلك المشاهد وغيرها حركت مشاعر كثير من الشخصيات الوازنة وأحدثت تضامنًا عربيًّا وأجنبيًّا، ومن أبرزهم الممثل الأميركي مارك روفالو الذي ينشط على تويتر وينقل ما يحدث في فلسطين المحتلة من أحداث، ويتفاعل معه الملايين من المتابعين الذين لا يعرفون شيئًا عن الرواية الفلسطينية.

بطل الملاكمة والكاريكاتير

لم تقتصر مشاركة المتضامنين الذين يعيشون بعيدًا عن الشيخ جراح والمسجد الأقصى على التغريدات أو نشر الصور، فهناك من يشارك بريشته كرسامة الكاريكاتير الفلسطينية أمية جحا.

تقول جحا: “الشعوب العربية تتعطش لأخبار القدس المحتلة دومًا، لذا يجتهد رسام الكاريكاتير في نقل الحدث بريشته واختيار الفكرة بعناية لتصل لأكبر شريحة، فلم تعد الرسمة منذ سنوات محلية بل هناك تطور لتوجيهها إلى شعوب العالم”.

وتشير إلى أنها المرة الأولى التي يجتمع فيها رسامو الكاريكاتير في العالم العربي وينشرون رسوماتهم عبر وسم القدس في قلوب رسامي الكاريكاتير، ما أحدث تفاعلًا عربيًّا كبيرًا، لافتة إلى أن الفكرة انطلقت من رسامي الكويت وتجاوب معهم الكثير من الفنانين.

وتذكر حجا لـ”نون بوست” أن الكثير من المشاهير والمؤثرين عبر المنصات الرقمية يشاركون رسوماتها، وكان آخرهم بطل الملاكمة Big Ramy حيث شارك رسمتها التي صورت القدس المحتلة برجل ذي عضلات قوية.

النشطاء غيروا من أساليبهم وأدواتهم واختاروا المنصة المناسبة لدعم قضيتهم العادلة، بالإضافة إلى محتوى البث المباشر لنقل الأحداث وتوضيح ما يجري

وتقول: “مشاركتي الرقمية في هبه القدس تكمن عبر نشر رسوماتي على منصة تويتر بدلًا من فيسبوك، حيث إدارة الأخير حظرت الكثير من حساباتي ولا يتفاعل أحد معي هناك خوفًا من إغلاق حسابه”، مشيرة إلى أن تويتر يمكّنها من إيصال رسالتها بشكل كبير.

وتضيف: “لأن القدس المحتلة تلامس الوجدان العربي والإسلامي، بات الجميع يتلهف لمعرفة أخبارها سواء عبر رسمة كاريكاتير أو فيديو عبر المنصات الرقمية وبمحتوى مباشر”.

القضية “تريند” عالمي

في السياق ذاته يقول سائد حسونة الخبير في مواقع التواصل الاجتماعي: “في الآونة الأخيرة تغيرت معالم الرواية الإسرائيلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب الجيل الجديد من الأشبال الذي أظهر سوء وجه الاحتلال عبر منصات صنعت للهو واللعب وقام بتحويلها لنصرة قضيته”.

وفيما يتعلق بحجم المشاركة الرقمية في هبة القدس الأخيرة، يرى حسونة حسب متابعته بأنه لم يشهد أي حدث فلسطيني مثلها كون الجيل الجديد ابتدع أسلوب للمحتوى يمكن نشره على منصات لا تقيد النشر مثل تك توك، واصفًا ما يحدث في الأسابيع الأخيرة بهبة الإعلام الاجتماعي، حيث المحتوى هو الذي ينقل الحدث مباشرة من الحرم المقدسي والشيخ جراح.

وعن أسباب تفاعل العالم مع قضية القدس المحتلة والأحداث الأخيرة، يوضح لـ”نون بوست” أن النشطاء غيروا من أساليبهم وأدواتهم واختاروا المنصة المناسبة لدعم قضيتهم العادلة، بالإضافة إلى محتوى البث المباشر لنقل الأحداث وتوضيح ما يجري في الشيخ جراح والمسجد الأقصى.

ولفت حسونة إلى أن استخدام المنصات الرقمية بطريقة حرفية، جعل من هبة القدس قضية عالمية أكسبتها تعاطف الفنانين والسياسيين والمؤثرين لفضح جرائم الاحتلال، موضحًا أن مواقع التواصل تعد بيئة مهمة لتدويل القضايا وهذه المرة أثبتت قوتها تزامنًا مع صعود الهبة الجماهيرية على الأرض، حيث نقل الحدث من خلال تقنيات البث المباشر الذي باتت متاحة على كل المنصات.

ووفق متابعته فإن مشاركة المشاهير لأحداث الشيخ جراح جعل القضية تريندًا عالميًّا، سهّل من أن تطفو الأحداث على متصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى أن احترافية نقل المشاهد المؤثرة التي تظهر المعاناة ساهمت في الترويج للمشاركة في الهبة ولو رقميًّا، كالفتاة التي يكبلها الجندي الإسرائيلي وهي تبتسم.

ورغم أن مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر سلاحًا مهمًّا في يد الفلسطيني رغم محاصرته رقميًّا، إلا أنه من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من القيود والتعقيدات بشأن المحتوى الفلسطيني، في ظل وجود استراتيجية إسرائيلية لمحاربة المضمون والرواية الفلسطينية بكل وسائل الإعلام وشبكات التواصل.

  • المصدر: موقع نون بوست، مها شهوان
زر الذهاب إلى الأعلى