ماذا جرى؟

مطر وطين وصغار بأقدام حافية!

آمنة حميد

انفجار اثنين ثلاثة أربعة عشرين، هكذا تبدأ مداهمات الجيش للمنطقة الجغرافية فتبدأ مهمته العسكرية فيموت النساء والأطفال، علمتنا الحرب التكتيك الذي تبدأ فيه المهمات والاجتياحات والاعتقالات في مدينة غزة حيث أن أول تكتيك متعب ومؤذي يدمر نفسية الصغار قبل الكبار (الحزام الناري)، فيهرع الجميع حتى وإن كان نائما للجري بحثاً عن مأوى بعيدا بعيدا يصل إلى أكثر من 6 كيلومترات مشيا على الأقدام في الليل أو في النهار في الشمس أو تحت المطر، بحذاء مهترىء من المشي فوق الردم والانقاض والزجاج أو بأقدام حافية في مياه الصرف الصحي التي تغسل كل يوم الطرقات حتى أنها غسلت ماء الشرب في طريقها فصار طعم الماء علقماً لا يطاق.

 

لم يعد بوسعنا أن نجري كثيراً فتهالكت الأجسام من قلة الماء والطعام وي كأن سيف الإبادة الجماعية المشرع علينا منذ السابع من أكتوبر حوّل الاستمرار بالحياة إلى ألم مركب فما عدنا نعرف من وخز ماذا ربما نبكي وعلى أي مصيبة نضحك، في ليالي الحرب كلها كان الظلام دامس والسماء حمراء والطرقات حمراء ورائحة اللحم البشري في كل مكان لم يعد يتسرب إلى أنوفنا رائحة ليلة القدر فجرا ولا حتى ياسمين الحواري بغزة حتى الكلاب صارت ضارية تأكل ما بقي من جثامين الشهداء الملقاة في الشوارع او تحت الأنقاض والدمار وحتى القطط الأليفة ملوثة بالدم لأنها لم تجد شيئاً آخرا لتأكله! كون من بقي بغزة وشمالها قرابة 700 ألف شخص محرومون من كل أنواع الغذاء حيث نهش الجوع الاجسام وبدأت تتهاوى لم يفقد شخص بالغ بغزة من وزنه أقل من النصف في هذه الأشهر الخمسة.

 

الوجوه شاحبة ومجعدة من نهش الجوع والسهر والجري من منطقة لأخرى مارس العدو فيها أبشع ظاهرة في الوجود ظاناً أنهم يستخدمون تكتيكا أو استراتيجية بنقل الناس تارة من الشرق إلى الغرب وتارة من الغرب إلى الشرق والجنوب للشمال والشمال للجنوب وهكذا حيث نزحنا في داخل المدينة الصغيرة التي لا يزيد عرضها عن 12 كيلو مترات أكثر من عشرين مرة بين جهاتها الأربعة في كل مرة نهرب تحت الأحزمة النارية وإطلاق النار من القناصة وطائرات الكواد كابتر في المفترقات العامة فنبدأ رغم التعب بتمهيد الأمر للصغار رغم انهم يجرون أقدامهم جرا (مفترق خطوات سريعة، اجروا ) باللهجة الفلسطينية.

 

كانت الطرق في كل مرة تبدوا أطولا رغم تكرار الفرار في تفس الطرق ونفس الأوقات تقريباً، الساعات المبكرة من الفجر والساعات المتأخرة وسط الظلام الدامس وكأنها وقت الرعب المعتمد لتذوب أرواح الناس في هذه الحرب فلا يكون لهم سلوى ولا راحة ليظل كابوس الرعب دائم الهطول لكن رؤوس الصغار عالية مازالوا يحفظون نشيد الشهداء ويملكون قلبين قلب يخاف وقلب شجاع لا يهاب ما زالوا ثابتين.

زر الذهاب إلى الأعلى